رواية مكتملة بقلم الكاتبه مني احمد حافظ

موقع أيام نيوز

ولدت بعد الأربعين.. بقلم منى أحمد حافظ
أ للتضحية جزاء
قف أمام نفسك واسألها الصدق أأنت مضحي أم بالغير أنت تضحي! أنتظر لا تجب! فالنفس كالبحر قد يغرق البعض فيه مستكشفا إياه وقد ينجو من يتفهمه ويسمو عن رجز هواه ويدرك أن مزيج الحياة حلو المر وأنه لن يسلم من مرار شهد الحياة أحد وأن الساذج منا من يأمن ويظن الأفعى قد تهديه يوما غصن زيتون. 

قرأت الكلمات مرات ومرات وفي كل مرة كانت تشعر بأنها ليست مجرد كلمات بل هي رسالة خاصة وجهت إليها أشاحت ببصرها بعيدا عن الصحيفة التي اهترأت صفحاتها وتركتها تسقط من بين أصابعها أرضا وغادرت غرفتها ووقفت بوسط البهو تحدق بمحتويات منزلها وعلى حين غرة اهتزت الرؤية أمامها وزلت قدمها فمدت صافية يدها وتمسكت بأقرب المقاعد إليها تحتمي به من السقوط ورفعت الأخرى وضغطت موضع قلبها وأخذت تتنفس بتروي وللمرة الأولى تقر بصدق لنفسها أنها باتت تكره زيف ما تحياه زفرت بقوة حين لاح الماضي كضباب يسعى ليتشكل أمام بصرها وهزت رأسها رغم دوارها تطرد عنها رجز هواجسها بعيدا فهي في غنى عن تذكر ما تمنت نسيانه. 
أذعنت صافية لضعفها وارتمت بتراخ فوق الأريكة وهي تستغفر وحانت منها نظرة صوب غرفة ابنتها وأغمضت عينيها ودعت أن يكون عمير زوجا صالح لابنتها يتقي الله فيها فأكثر ما أخافها وجعلها ترفض زيجة ريتاچأن عمير يحمل بعض صفات فهمي وهي لا تتمنى أن تخوض ابنتها غمار مأساة كمأساتها وبين شرودها وصراع أفكارها لم تنتبه صافية لوقوف زوجها أمامها إلا حين هدر بصوته موبخا إياها
.. أنت قاعدة سرحانة ولا على بالك أني واقف ليا ساعة بتكلم.
تطلعت نحوه بنظرات زائغة وهمهمت بلا إدراك
.. معلش يا فهمي مسمعتش أنت بتقول إيه.
لم تكد صافية تنهي قولها حتى شهقت بفزع حين قبض فهمي على ساعدها وجذبها لتقف وهو يقرظها بلسانه ووقفت تستمع إلى سيل سبابه بوجه يابس وأومأت وهي تجذب يدها منه مردفة
.. اعذرني أصل بالي مشغول شوية على ريتاچ يعني ليا كام يوم مسمعتش صوتها ولا هي طمنتني عليها وأنا لحد دلوقتي لسه متعودتش على غيابها فسامحني مخدتش بالي أنك رجعت وبتكلمني حمد الله على سلامتك إلا صحيح يا فهمي أنت طولت فالسفر المرة دي لي... 
ابتلعت كلماتها حين أشاح بوجهه عنها ولوح بيده بسقم تنهدت صافية بانهزام تحدق بظهره بحزن خفي وقد ازداد بداخلها الأسى فهو لم يكلف نفسه عناء النظر إليها بعد طول غياب وأهملها كليا راقبته يجلس بعيدا عن مكانها وتعجبت لجلوسه على غير عادته مطرق الرأس بدا لها وكأنه يصارع شيئا ما بداخله بدء من اهتزاز ساقه وتمشيطه لخصلات شعره بتوتر فعلمت أن هناك خطبا ما يشغل تفكيره أشاحت بوجهها عنه وتمنت لو كان بإمكانها فعل ما هو أكثر من الصمت ولكن ليس بيدها شيء سوى إحساسها بالعجز ازدادت صافية لعابها لتجلي غصة الخيبة التي توسطت حلقها وابتسمت ساخرة لتلك الأمنية التي تغفو بأعماقها فمن المستحيل أن يخطأ زوجها لمرة ويلج مبتسما أو يفعل ما يفعله الأزواج مع زوجاتهن ويضمها مقبلا مفرق رأسها ولكن كيف له أن يغير طبع ولد به ورسخ بنفسه
عادت بوجهها إليه ما أن وغزها قلبها واستشعرت نحوه القلق فهو يجلس كمن يحمل فوق كاهله ثقل جبال فجأة عادت الكلمات التي قرأتها تومض أمام عينيها فزفرت بقوة تتسلح بجسارة واهية واتجهت صوبه ووقفت على بعد خطوات منه وسألته بترقب
.. مالك يا فهمي أول مرة أشوفك قاعد كده زي ما تكون شايل هموم الدنيا على كتافك.
لم يكلف فهمي نفسه النظر إليها وواصل صمته وسكونه المصطنع في حين ازداد قلق صافية نحوه فهتفت
.. طمني يا فهمي هو في حاجة حصلت فالسفرية زعلتك
زفر بضيق وتحرك بملل دون أن ينبس بكلمة فظنته صافية يواجه کاړثة فكادت تركع أمامه وهي تضيف بحنو بعدما تغلب طبعها عليها
.. فداك أي حاجة يا فهمي المهم أنك بخير وربنا ما يحرمنا منك واللي راح بكرة تعوض...
رفع رأسه وحدق بها وعلى الرغم من اهتمامها به وصدق مشاعرها وخۏفها المطل من عينيها إلا أنه لا يراها نعم هو لا يراها ولم يرها طوال الخمسة والعشرين عاما التي أمضاها برفقتها تعجب من تفرسه بملامحها وابتسم ساخرا من نفسه فهو لم يحاول مسابقا النظر إليها كما يجب حتى في وقتهما الخاص كان يغمض عينيه حتى ينل رغبته ويتركها غير مبال بحاجتها لم يدر فهمي لما يفكر في أفعاله معها الآن فأجابه صوت بعيد أصر على التصريح رغم قمع عقله له بأنه يشعر بالذنب ليقينه من ظلمه البين لها لم يشأ فهمي الاعتراف بحقيقة نفسه فثار سخطه عليها لأنها قلبت عليه نفسه وزفر مشيحا وجهه عنها وأجابها بفتور عقاپا لاهتمامها المبالغ به وإصرارها على إكمال دورها معه للنهاية ووضعه في خانة الظالم
.. مافيش أي حاجة حصلت أنا بخير والشغل الحمد لله ماشي
 

تم نسخ الرابط